فصل: كِتَابُ الْخُلْعِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.كِتَابُ الْخُلْعِ:

بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ، يُقَالُ: خَلَعَ امْرَأَتَهُ خُلْعًا، وَخَالَعَهَا مُخَالَعَةً، وَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ هِيَ فَهِيَ خَالِعٌ، وَأَصْلُهُ مِنْ خَلَعَ الثَّوْبَ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ تَنْخَلِعُ مِنْ لِبَاسِ زَوْجِهَا قَالَ تَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}. (وَهُوَ فِرَاقُ) الزَّوْجِ (الزَّوْجَةَ بِعِوَضٍ) يَأْخُذُهُ الزَّوْجُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ) وَفَائِدَتُهُ: تَخْلِيصُهَا مِنْ الزَّوْجِ: عَلَى وَجْهٍ لَا رَجْعَةَ عَلَيْهَا إلَّا بِرِضَاهَا. (وَيُبَاحُ) الْخُلْعُ (لِسُوءِ عِشْرَةٍ) بَيْنَ زَوْجَيْنِ بِأَنْ صَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَارِهًا لِلْآخَرِ لَا يُحْسِنُ صُحْبَتَهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}.
(وَ) يُبَاحُ الْخُلْعُ (لِمُبْغِضَةٍ) زَوْجَهَا (لِخُلُقِهِ أَوْ خَلْقِهِ) أَيْ: صُورَتِهِ الظَّاهِرَةِ أَوْ الْبَاطِنَةِ (وَتَخْشَى أَنْ لَا تُقِيمَ حُدُودَ اللَّهِ فِي حَقِّهِ)؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «جَاءَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ بْنِ شَمَّاسٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَعِيبُ عَلَيْهِ مِنْ خُلُقٍ وَلَا دِينٍ، وَلَكِنْ أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» رَوَاه الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. فَأَمْرُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِذَلِكَ دَلِيلُ إبَاحَتِهِ، وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ. (وَتُسَنُّ) لَهُ (إجَابَتُهَا) إنْ سَأَلَتْهُ الْخُلْعَ عَلَى عِوَضٍ (حَيْثُ أُبِيحَ) الْخُلْعُ، لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ قَيْسٍ بِقَوْلِهِ: اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً (إلَّا مَعَ مَحَبَّتِهِ لَهَا فَيُسَنُّ صَبْرُهَا) عَلَيْهِ (وَعَدَمُ افْتِدَائِهَا) مِنْهُ دَفْعًا لِضَرَرِهِ، وَلَا تَفْتَقِرُ صِحَّةُ الْخُلْعِ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ نَصًّا. (وَيُكْرَهُ) الْخُلْعُ مَعَ اسْتِقَامَتِهِ؛ لِحَدِيثِ ثَوْبَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» رَوَاه الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيّ، وَلِأَنَّهُ عَبَثٌ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا. (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (مَعَ اسْتِقَامَةٍ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}. (وَيَحْرُمُ) الْخُلْعُ (وَلَا يَصِحُّ إنْ عَضَلَهَا) أَيْ: ضَيَّقَ عَلَيْهَا (بِمَنْعِ حَقٍّ أَوْ ضَرْبٍ) أَوْ مَنَعَهَا حُقُوقَهَا مِنْ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ ظُلْمًا، أَوْ ضَرَبَهَا (لِتَخْتَلِعَ) مِنْهُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} الْآيَةَ وَلِأَنَّ مَا تَفْتَدِي بِهِ نَفْسَهَا مَعَ ذَلِكَ عِوَضٌ أُكْرِهَتْ عَلَى بَذْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ أَخْذَهُ مِنْهَا لِلنَّهْيِ، وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ؛ (وَيَقَعُ) الْخُلْعُ فِي صُورَةِ الْعَضْلِ (رَجْعِيًّا) إنْ أَجَابَهَا (بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ) بِلَفْظِ خُلْعٍ أَوْ مَعَ (نِيَّتِهِ) أَيْ: نِيَّةِ الطَّلَاقِ، وَلَا تَبِينُ مِنْهُ؛ لِفَسَادِ الْعِوَضِ. (وَيُبَاحُ ذَلِكَ) أَيْ: عَضْلُ الزَّوْجِ لَهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ (مَعَ زِنَاهَا) نَصًّا، وَالْخُلْعُ صَحِيحٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّهْيِ إبَاحَةٌ، وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ تُلْحِقَ بِهِ وَلَدًا مِنْ غَيْرِهِ. (وَإِنْ أَدَّبَهَا لِنُشُوزٍ أَوْ تَرْكِ فَرْضٍ) كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ (فَخَالَعَتْهُ لِذَلِكَ؛ جَازَ وَصَحَّ) الْخُلْعُ، وَأُبِيحَ لَهُ عِوَضُهُ؛ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ.
فَائِدَةٌ:
وَلَا بَأْسَ بِالْخُلْعِ فِي الْحَيْضِ إذَا كَانَ بِسُؤَالِهَا؛ لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِإِدْخَالِهَا ضَرَرَ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَى نَفْسِهَا، وَلَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي أَصَابَهَا فِيهِ حَيْثُ كَانَ بِسُؤَالِهَا وَكَذَا الطَّلَاقُ بِعِوَضٍ. (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (وَيَلْزَمُ مِمَّنْ يَقَعُ طَلَاقُهُ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا كَبِيرًا، أَوْ صَغِيرًا يَعْقِلُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا مَلَكَ الطَّلَاقَ وَهُوَ مُجَرَّدُ إسْقَاطٍ لَا تَحْصِيلَ فِيهِ فَلَأَنْ يَمْلِكَهُ مُحَصِّلًا لِعِوَضٍ أَوْلَى. وَشَمَلَ كَلَامُهُ الْحَاكِمَ فِي الْإِيلَاءِ وَنَحْوِهِ.
قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ يَصِحُّ مِمَّنْ طَلَاقُهُ بِالْمِلْكِ أَوْ الْوَكَالَةِ أَوْ الْوِلَايَةِ كَالْحَاكِمِ فِي الشِّقَاقِ، وَكَذَا لَوْ فَعَلَهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِيلَاءِ أَوْ الْعُنَّةِ أَوْ الْإِعْسَارِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَمْلِكُ الْحَاكِمُ فِيهَا الْفُرْقَةَ.
(وَ) يَصِحُّ (بَذْلُ عِوَضِهِ) أَيْ: الْخُلْعِ (مِنْ) كُلِّ (مَنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ) وَهُوَ الْمُكَلَّفُ غَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَالَهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ؛ أَشْبَهَ التَّبَرُّعَ، سَوَاءٌ كَانَ بَذْلُهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَلَوْ مِمَّنْ شَهِدَا بِطَلَاقِهِ) أَيْ: الزَّوْجَةَ (وَرُدَّا) أَيْ: رَدَّ شَهَادَتَهُمَا الْمَانِعُ مِنْ قَبُولِهَا كَبَذْلِ أَجْنَبِيٍّ فِي افْتِدَاءِ أَسِيرٍ، وَكَشِرَاءِ الشَّاهِدَيْنِ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُمَا بِعِتْقِهِ؛ فَإِنَّهُ يَصِحُّ شِرَاؤُهَا إيَّاهُ، وَيُعْتَقُ عَلَيْهِمَا؛ لِاعْتِرَافِهِمَا بِحُرِّيَّتِهِ. (فَيَصِحُّ) قَوْلُ رَشِيدٍ لِزَوْجِ امْرَأَةٍ (اخْلَعْهَا عَلَى كَذَا عَلَيَّ أَوْ) اخْلَعْهَا عَلَى كَذَا (عَلَيْهَا وَأَنَا ضَامِنٌ) فَإِنْ أَجَابَهُ الزَّوْجُ صَحَّ، وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ لِالْتِزَامِهِ لَهُ (وَلَا يَلْزَمُهَا) أَيْ: الْمَرْأَةَ الْعِوَضُ (إنْ لَمْ تَأْذَنْ) لِلْأَجْنَبِيِّ بِشَيْءٍ مِمَّا اخْتَلَعَا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَذِنَتْهُ لَزِمَهَا، لِأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهَا. (وَإِنْ لَمْ يَضْمَنْ) الْأَجْنَبِيُّ (حَيْثُ سُمِّيَ الْعِوَضُ مِنْهَا لَمْ يَصِحَّ) الْخُلْعُ؛ لِأَنَّهُ بَذَلَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ؛ فَلَمْ يَصِحَّ الْبَذْلُ. (وَيَصِحُّ سُؤَالُهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا الْخُلْعَ (عَلَى مَالِ أَجْنَبِيٍّ) أَيْ غَيْرِ زَوْجِهَا، وَلَوْ قَرِيبًا لِأَحَدِهِمَا (بِإِذْنِهِ) لَهَا فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا وَكِيلَةٌ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ فِي مُخَالَعَةِ الزَّوْجِ بِمَالِ الْأَجْنَبِيِّ إنْ سَأَلَتْ زَوْجَهَا أَنْ يَخْلَعَهَا عَلَى مَالِ أَجْنَبِيٍّ (بِدُونِهِ) أَيْ بِدُونِ مَالِ الْأَجْنَبِيِّ (إنْ ضَمِنَتْهُ) بِأَنْ قَالَتْ: اخْلَعْنِي عَلَى عَبْدِ زَيْدٍ، وَأَنَا ضَامِنَتُهُ، صَحَّ الْخُلْعُ، وَلَزِمَهَا الْعِوَضُ؛ لِأَنَّهَا بَاذِلَةٌ لِلْبَدَلِ وَمَالُهُ لَاغٍ (وَإِلَّا) تَضْمَنْهُ (لَمْ يَصِحَّ) الْخُلْعُ؛ لِتَصَرُّفِهَا فِي مَالِ غَيْرِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَيَقْبِضُ الْعِوَضَ) أَيْ عِوَضَ الْخُلْعِ (زَوْجٌ حُرٌّ رَشِيدٌ وَمَحْجُورٌ عَلَيْهِ لِفَلَسٍ وَمُكَاتِبٌ) لِأَهْلِيَّتِهِمْ وَيَقْبِضُهُ (وَوَلِيُّ صَغِيرٍ وَ) وَلِيُّ (سَفِيهٍ وَسَيِّدُ قِنٍّ، لَا هُمْ) هَذَا الْمَذْهَبُ، اخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ، وَصَحَّحَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي نِهَايَتِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبُلْغَةِ وَقَدَّمَهُ فِي الْهِدَايَةِ والْمَذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِمْ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ الْقَاضِي وَالنَّاظِمُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَصَاحِبُ الْمُنَوِّرِ وَغَيْرُهُمْ الْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ الْقَبْضِ مِمَّنْ يَصِحُّ خُلْعُهُ.
(وَ) إنْ قَالَ أَبُو امْرَأَةٍ لِزَوْجِهَا (طَلِّقْ بِنْتِي وَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ مَهْرِهَا فَفَعَلَ) أَيْ: طَلَّقَهَا (فـَ) الطَّلَاقُ (رَجْعِيٌّ) لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعِوَضِ (وَلَمْ يَبْرَأْ) الزَّوْجُ مِنْ مَهْرِهَا بِإِبْرَاءِ أَبِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ (وَلَمْ يَرْجِعْ) الزَّوْجُ (عَلَى الْأَبِ) لِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِمَّا لَيْسَ لَهُ، أَشْبَهَ الْأَجْنَبِيَّ (وَلَا تَطْلُقُ) الزَّوْجَةُ (إنْ قَالَ) الزَّوْجُ بَعْدَ بَرَاءَةِ أَبِيهَا لَهُ (طَلَّقْتُهَا إنْ بَرِئْتُ) أَنَا (مِنْهُ) أَيْ مَهْرِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِذَلِكَ. (وَلَوْ قَالَ) زَوْجٌ لِأَبِي زَوْجَتِهِ (إنْ أَبْرَأْتَنِي أَنْتِ) مِنْهُ أَيْ: مَهْرِ ابْنَتك (فَهِيَ طَالِقٌ فَأَبْرَأَهُ) أَبُوهَا مِنْهُ (لَمْ تَطْلُقْ) رَشِيدَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِنْ مَهْرِهَا، وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ بِبَرَاءَةِ أَبِيهَا (مَا لَمْ يَرُدَّ) الزَّوْجُ (صُورَةَ الْبَرَاءَةِ) فَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِوُجُودِ اللَّفْظِ، كَقَوْلِهِ إنْ أَعْطَيْتِنِي خَمْرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: هِيَ طَالِقٌ إنْ بَرِئْتُ مِنْ صَدَاقِهَا لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ؛ لِعَدَمِ الْبَرَاءَةِ، فَلَمْ يُوجَدْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ، (أَوْ) مَا لَمْ (يَقُلْ) الْأَبُ (طَلِّقْهَا عَلَى أَلْفٍ مِنْ مَالِهَا وَعَلَيَّ الدَّرَكُ) فَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ (فـَ) إنَّهَا (تَبِينُ) بِذَلِكَ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ عَلَى عِوَضٍ، وَهُوَ مَا لَزِمَ الْأَبَ مِنْ ضَمَانِ الدَّرْكِ (وَيَضْمَنُ) الْأَبُ، وَلَيْسَ لَهُ دَفْعُهَا مِنْ مَالِهَا، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى ابْنَتِهِ إلَّا إنْ أَذِنَتْ، وَكَانَتْ رَشِيدَةً كَالْأَجْنَبِيِّ. (وَلَيْسَ لِأَبِ صَغِيرَةٍ أَنْ تُخَالِعَ) زَوْجَهَا (مِنْ مَالِهَا) كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، هَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ والْمَذْهَبِ ومَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ والْخُلَاصَةِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ (وَلَوْ لِحَظٍّ) فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ فِي أَحَدِ احْتِمَالَيْهِمَا وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ وَهُوَ رِوَايَةٌ ذَكَرَهَا فِي الْمَنْهَجِ وَصَوَّبَهَا فِي الْإِنْصَافِ مَعَ أَنَّ الْمَذْهَبَ خِلَافُهَا (وَلَا لِأَبِ) زَوْجٍ (صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ أَوْ سَيِّدِهِمَا) كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ (أَنْ يَخْلَعَا أَوْ يُطَلِّقَا عَنْهُمَا) أَيْ: الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَظَّ لَهُمَا فِيهِ، وَلِحَدِيثِ: «الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ». (وَإِنْ خَالَعَتْ عَلَى شَيْءٍ أَمَةٌ) زَوْجَهَا، وَلَوْ كَانَتْ مُكَاتَبَةً (بِلَا إذْنِ سَيِّدِ) هَا؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِلتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهَا، فَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ صَحَّ؛ إذْ الْعِوَضُ مِنْهُ لِأَمَتِهَا، وَتُسَلِّمُهُ مُكَاتَبَةٌ مَأْذُونَةٌ مِمَّا فِي يَدِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهَا شَيْءٌ فَهُوَ عَلَى سَيِّدِهَا (أَوْ) خَالَعَتْ زَوْجَهَا (مَحْجُورَةٌ لِسَفَهٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ؛ لَمْ يَصِحَّ) الْخُلْعُ (وَلَوْ أَذِنَ فِيهِ وَلِيٌّ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي الْمَالِ، وَلَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهِ، وَلَا إذْنَ لِلْوَلِيِّ فِي التَّبَرُّعَاتِ. (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالٌ) مَرْجُوحٌ (وَ) إنْ خَالَعَتْ الْأَمَةُ (بِإِذْنِ سَيِّدِهَا وَ) كَانَ حِينَ الْإِذْنِ (أَطْلَقَ) فَلَمْ يُعَيِّنْ لَهَا شَيْئًا، وَلَا بَيَّنَ لَهَا قَدْرًا؛ مَلَكَتْ الْمُخَالَعَةَ بِالْمُسَمَّى إنْ كَانَ، وَإِلَّا فَلَهَا أَنْ تُخَالِعَ بِمَهْرِ مِثْلِهَا (فـَ) إنْ (زَادَتْ عَلَى) الْمُسَمَّى أَوْ (مَهْرِ مِثْلِهَا فَ) الزَّائِدُ عَلَى ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ (بِذِمَّتِهِ) أَيْ: السَّيِّدِ كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهَا فِي الِاسْتِدَانَةِ فَفَعَلَتْ، وَ(لَا يَتَعَلَّقُ الزَّائِدُ بِرَقَبَتِهَا)؛ لِأَنَّهَا مَأْذُونَةٌ مِنْ السَّيِّدِ، كَذَا قَالَ وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ. وَإِنْ خَالَعَتْ عَلَى مُعَيَّنٍ بِإِذْنِ السَّيِّدِ فِيهِ مَلَكَهُ، وَإِنْ أَذِنَ فِي قَدْرٍ مِنْ الْمَالِ فَخَالَعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ؛ فَالزِّيَادَةُ فِي ذِمَّتِهَا، وَإِنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ اقْتَضَى الْخُلْعَ بِالْمُسَمَّى لَهَا، وَإِنْ خَالَعَتْ بِهِ أَوْ بِمَا دُونَهُ لَزِمَ السَّيِّدَ، وَإِنْ كَانَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ تَعَلَّقَتْ الزِّيَادَةُ بِذِمَّتِهَا، كَمَا لَوْ عَيَّنَ لَهَا قَدْرًا فَخَالَعَتْ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَأْذُونًا لَهَا فِي التِّجَارَةِ سَلَّمَتْ الْعِوَضَ مِمَّا فِي يَدِهَا، انْتَهَيَا. وَالْمَذْهَبُ مَا قَالَاهُ (وَلَا يَبْطُلُ إبْرَاءُ مَنْ) خَالَعَتْ زَوْجَهَا عَلَى بَرَاءَتِهَا لَهُ ثُمَّ (ادَّعَتْ نَحْوَ سَفَهٍ حَالَتَهُ) أَيْ: الْخُلْعَ (بِلَا بَيِّنَةٍ) تَشْهَدُ بِسَفَهِهَا أَوْ جُنُونِهَا حَالَتَهُ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي الْفَسَادَ، وَالْأَصْلُ الصِّحَّةُ. (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (مِنْ مَحْجُورٍ عَلَيْهَا لِفَلَسٍ) عَلَى مَالٍ (فِي ذِمَّتِهَا) لِأَنَّ لَهَا ذِمَّةً يَصِحُّ تَصَرُّفُهَا فِيهَا (وَ) لَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهَا حَالَ حَجْرِهَا، كَمَا لَوْ اسْتَدَانَتْ مِنْ إنْسَانٍ فِي ذِمَّتِهَا أَوْ بَاعَهَا شَيْئًا بِثَمَنٍ فِي ذِمَّتِهَا، بَلْ (تُطَالَبُ بِمَا خَالَعَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ فَكِّهِ) أَيْ: بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهَا وَإِيسَارِهَا، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا لَوْ خَالَعَتْ بِمُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهَا؛ لَمْ يَصِحَّ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهِ.

.فَصْلٌ: [الْخُلْعُ فَسْخٌ]:

(وَالْخُلْعُ فَسْخٌ لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ طَلَاقٍ حَيْثُ وَقَعَ بِصِيغَتِهِ) وَلَوْ لَمْ يَنْوِ بِهِ خُلْعًا، وَرُوِيَ كَوْنُهُ فَسْخًا لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: هَذَا اخْتِيَارُ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ مُتَقَدِّمِهِمْ وَمُتَأَخِّرِهِمْ، وَهُوَ مِنْ مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ. وَاحْتَجَّ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} ثُمَّ قَالَ: «فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ» ثُمَّ قَالَ: «فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ» فَذَكَرَ طَلْقَتَيْنِ وَالْخُلْعَ وَتَطْلِيقَةً بَعْدَهُمَا فَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَكَانَ أَرْبَعًا، وَلِأَنَّهَا فُرْقَةٌ خَلَتْ عَنْ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَنِيَّتِهِ فَكَانَتْ فَسْخًا كَسَائِرِ الْفُسُوخِ.
قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: وَعَلَيْهِ دَلَّ كَلَامُ أَحْمَدَ وَقُدَمَاءِ أَصْحَابِهِ، وَمُرَادُهُ مَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: رَأَيْتُ أَبِي يَذْهَبُ إلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ صَحَّ عَنْهُ مَا أَجَازَهُ الْمَالُ فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ. وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ الْخُلْعَ تَفْرِيقٌ بِطَلَاقٍ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ أَنَّهُ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ بِكُلِّ حَالٍ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ، قَالَ: لَيْسَ لَنَا فِي الْبَابِ شَيْءٌ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فَسْخٌ (وَ) لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ مَا (لَمْ يَنْوِ) بِهِ (طَلَاقًا) فَإِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ؛ وَقَعَ طَلَاقًا.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ الْخُلْعُ بِصَرِيحِ طَلَاقٍ أَوْ نِيَّةِ طَلَاقٍ بَائِنٌ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بَائِنًا؛ لَمَلَكَ الرَّجْعَةَ، وَكَانَتْ تَحْتَ حُكْمِهِ وَقَبْضَتِهِ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ إزَالَةُ الضَّرَرِ عَنْهَا، فَلَوْ جَازَتْ الرَّجْعَةُ لَعَادَ الضَّرَرُ. (وَصِيغَتُهُ) أَيْ: صِيغَةُ الْخُلْعِ (الصَّرِيحَةُ فَسَخْتُ) عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ (وَخَالَعْتُ وَفَادَيْتُ) قَوْلًا وَاحِدًا (وَكِنَايَاتُهُ) أَيْ الْخُلْعِ (بَارَئْتُكِ وَأَبْرَأْتُكِ وَأَبَنْتُكِ)؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْفُرْقَةِ، فَكَانَ لَهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ كَالطَّلَاقِ (فَمَعَ سُؤَالِ) الْخُلْعِ (وَبَذْلِ عِوَضٍ يَصِحُّ) الْخُلْعُ (بِلَا نِيَّةٍ)؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ الْحَالِ مِنْ سُؤَالِ الْخُلْعِ وَبَذْلِ الْعِوَضِ صَارِفَةٌ إلَيْهِ، فَأَغْنَتْ عَنْ النِّيَّةِ فِيهِ (وَإِلَّا) يَكُنْ سُؤَالٌ وَلَا بَذْلُ عِوَضٍ (فَلَا بُدَّ مِنْهَا) أَيْ: النِّيَّةِ (فِي كِنَايَةِ) خُلْعٍ كَطَلَاقٍ وَنَحْوِهِ (وَتُعْتَبَرُ الصِّيغَةُ مِنْهُمَا) أَيْ: الْمُتَخَالِعَيْنِ (فَلَا خُلْعَ بِمُجَرَّدِ بَذْلِ مَالٍ وَقَبُولِهِ) مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْفُرْقَةِ، فَلَمْ يَصِحَّ بِدُونِ لَفْظٍ كَالطَّلَاقِ بِعِوَضٍ، وَلِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ قَبْضٌ لِعِوَضٍ، فَلَمْ يَقُمْ بِمُجَرَّدِهِ مَقَامَ الْإِيجَابِ كَقَبْضِ إحْدَى الْعِوَضَيْنِ فِي الْبَيْعِ، وَحَدِيثُ جَمِيلَةِ امْرَأَةِ ثَابِتٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِيهِ: «اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» وَفِي رِوَايَةٍ: وَأَمَرَهُ فَفَارَقَهَا، وَمَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْفُرْقَةَ فَقَدْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الْقِصَّةِ.، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرُوا مَنْ جَانَبَا لَفْظًا وَلَا دَلَالَةَ حَالٍ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ اتِّفَاقًا. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا (فـَ) الصِّيغَةُ (مِنْهُ) أَيْ الزَّوْجِ (خَلَعْتُكِ وَنَحْوُهُ) كَ فَسَخْتُ نِكَاحَكِ (عَلَى كَذَا) وَالصِّيغَةُ (مِنْهَا قَبِلْتُ أَوْ رَضِيتُ وَنَحْوُهُ) سَوَاءٌ قُلْنَا: الْخُلْعُ فَسْخٌ أَوْ طَلَاقٌ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ: أَنَّهُ إذَا قُلْنَا بِأَنَّهُ طَلَاقٌ حُسِبَ وَنَقَصَ بِهِ عَدَدُ طَلَاقِهِ، وَإِنْ قِيلَ: هُوَ فَسْخٌ لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ، وَإِنْ خَالَعَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ. (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (بِكُلِّ لُغَةٍ مِنْ أَهْلِهَا) أَهْلِ اللُّغَةِ كَالطَّلَاقِ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ لِأَنَّهَا الْمَوْضُوعَةُ لَهُ فِي لِسَانِهِمْ فَأَشْبَهَتْ الْمَوْضُوعَ لَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ. (وَيَتَّجِهُ) صِحَّةُ الْخُلْعِ مِنْ غَيْرِ عَرَبِيٍّ بِلُغَتِهِ (وَلَوْ أَحْسَنَ الْعَرَبِيَّةَ) لِأَنَّ لَفْظَهُ بِلُغَتِهِ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَى الْخُلْعِ بِالْعَرَبِيَّةِ، فَصَحَّ مِنْهُ كَغَيْرِهِ؛ وَهُوَ مُتَّجِهٌ.
وَ(لَا) يَصِحُّ الْخُلْعُ (هَزْلًا) إلَّا أَنْ يَكُونَ بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ نِيَّتِهِ فَإِنْ تَخَالَعَا هَازِلَيْنِ بِغَيْرِ لَفْظِ طَلَاقٍ وَلَا نِيَّةٍ، فَلَغْوٌ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ (مُعَلَّقًا) عَلَى شَرْطٍ (كـَ) قَوْلِهِ لِزَوْجَتِهِ (إنْ قَدِمَ زَيْدٌ، أَوْ بَذَلْتِ لِي كَذَا فَقَدْ خَلَعْتُكِ) وَلَوْ بَذَلَتْ لَهُ مَا سَمَّاهُ، إلْحَاقًا لَهُ بِعُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ؛ لِاشْتِرَاطِ الْعِوَضِ فِيهِ. (وَيَلْغُو شَرْطُ رَجْعَةٍ) فِي خُلْعٍ كَقَوْلِهِ خَالَعْتكِ عَلَى كَذَا بِشَرْطِ أَنَّ لِي رَجْعَتَكِ فِي الْعِدَّةِ، أَوْ مَا شِئْتُ (أَوْ) أَيْ: وَيَلْغُو شَرْطُ (خِيَارٍ فِي خُلْعٍ) كَقَوْلِهِ خَالَعْتكِ عَلَى كَذَا بِشَرْطِ أَنَّ لِي الْخِيَارَ أَوْ عَلَى أَنَّ لِي الْخِيَارَ إلَى كَذَا، أَوْ يُطَلِّقُ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ (دُونَهُ) أَيْ: الْخُلْعِ فَلَا يَلْغُو بِذَلِكَ كَالْبَيْعِ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ (وَيَسْتَحِقُّ) الزَّوْجُ الْعِوَضَ (الْمُسَمَّى فِيهِ) أَيْ الْخُلْعَ بِشَرْطِ الرَّجْعَةِ أَوْ الْخِيَارِ؛ لِصِحَّةِ الْخُلْعِ وَتَرَاضِيهِمَا عَلَى عِوَضِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ خَلَا عَنْ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ. (وَلَا يَقَعُ بِمُعْتَدَّةٍ مِنْ خُلْعٍ طَلَاقٌ، وَلَوْ وُجِّهَتْ بِهِ) أَيْ: الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمَا، وَبِذَلِكَ قَالَ عِكْرِمَةُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَلِأَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ؛ فَلَمْ يَلْحَقْهَا طَلَاقُهُ كَالْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَاَلَّتِي انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِضْعَهَا، فَلَمْ يَلْحَقْهَا طَلَاقُهُ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَحَدِيثُ: «الْمُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ» لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ، وَلَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ. (وَمَنْ خُولِعَ جُزْءٌ مِنْهَا) مُشَاعًا كَانَ (كَنِصْفِهَا أَوْ) مُعَيَّنًا (كَيَدِهَا؛ لَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ.
(تَنْبِيهٌ: شُرُوطُ خُلْعٍ تِسْعٌ بَذْلُ عِوَضٍ مِمَّنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ) وَهُوَ الرَّشِيدُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (وَزَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ) وَلَوْ مُمَيِّزًا، وَأَنْ يَكُونَ الْخُلْعُ مِنْ (غَيْرِ هَازِلَيْنِ) فَلَوْ كَانَ مِنْ هَازِلَيْنِ، لَمْ يَصِحَّ، وَتَقَدَّمَ (وَعَدَمُ عَضْلِهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ عَلَى بَذْلِ الْعِوَضِ (فَإِنْ بَذَلَتْهُ) بِاخْتِيَارِهَا، صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا (وَوُقُوعُهُ) أَيْ: الْخُلْعِ (بِصِيغَتِهِ) مِنْ الصِّيَغِ السَّابِقَةِ (وَعَدَمُ نِيَّةِ) طَلَاقٍ مِنْ الزَّوْجِ (وَتَنْجِيزُهُ) فَلَا يَصِحُّ مُعَلَّقًا (وَوُقُوعُهُ) أَيْ: الْخُلْعِ (عَلَى جَمِيعِ الزَّوْجَةِ) وَعَدَمُ حِيلَةٍ لِإِسْقَاطِ طَلَاقٍ (كَمَا يَأْتِي) فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ آخِرِ الْخُلْعِ.

.فَصْلٌ: [لَا يَصِحُّ الْخُلْعُ إلَّا بِعِوَضٍ]:

(وَلَا يَصِحُّ) الْخُلْعُ (إلَّا بِعِوَضٍ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ، وَلَا يَمْلِكُ الزَّوْجُ فَسْخَ النِّكَاحِ بِخِلَافِهِ بِلَا مُقْتَضَى؛ بِخِلَافِهِ عَلَى عِوَضٍ، فَيَصِيرُ مُعَاوَضَةً، فَلَا يَجْتَمِعُ لَهُ الْعِوَضُ وَالْمُعَوَّضُ، وَلَوْ قَالَتْ: بِعْنِي عَبْدَكَ فُلَانًا؛ وَاخْلَعْنِي بِكَذَا، فَفَعَلَ؛ صَحَّ، وَكَانَ بَيْعًا وَخُلْعًا بِعِوَضٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُمَا عَقْدَانِ يَصِحُّ إفْرَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِعِوَضٍ، فَصَحَّ جَمْعُهُمَا كَبَيْعِ ثَوْبَيْنِ (وَكُرِهَ) خُلْعُ زَوْجَتِهِ (بِأَكْثَرَ مِمَّا آتَاهَا) رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ، «لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ جَمِيلَةَ: وَلَا تَزْدَدْ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ وَعَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمُخْتَلِعَةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا» رَوَاه أَبُو حَفْصٍ بِإِسْنَادِهِ. وَلِأَنَّهُ بَذْلٌ فِي مُقَابَلَةِ فَسْخٍ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَدْرِهِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ كَالْعِوَضِ فِي الْإِقَالَةِ، وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ. لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} وَقَالَتْ الرُّبَيِّعِ بِنْتُ مُعَوِّذٍ «اخْتَلَعْتُ مِنْ زَوْجِي بِمَا دُونَ عِقَاصِ رَأْسِي، فَأَجَازَ ذَلِكَ». (وَهُوَ) أَيْ: الْخُلْعُ (عَلَى مُحَرَّمٍ يَعْلَمَانِهِ كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ) كَخُلْعٍ (بِلَا عِوَضٍ) فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةٌ بِالْبِضْعِ وَخُرُوجُ الْبِضْعِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ فَإِذَا رَضِيَ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ كَمَا لَوْ نَجَّزَ طَلَاقَهَا أَوْ عَقَلَهُ عَلَى فِعْلِهَا شَيْئًا، فَفَعَلَتْهُ، وَفَارَقَ النِّكَاحَ فَإِنَّ دُخُولَ الْبِضْعِ فِي مِلْكِ الزَّوْجِ مُتَقَوِّمٌ، وَأَمَّا إذَا طَلَّقَهَا عَلَى عَبْدٍ، فَبَانَ حُرًّا، فَلَمْ يَرْضَ بِغَيْرِ عِوَضٍ مُتَقَوِّمٍ، فَيَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ بِحُكْمِ الْغَرَرِ (فَيَقَعُ) خَلَلٌ عَلَى مُحَرَّمٍ يَعْلَمَانِهِ (رَجْعِيًّا بِنِيَّةِ طَلَاقٍ) لِأَنَّ الْخُلْعَ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، فَإِذَا نَوَاهُ وَقَعَ، وَقَدْ خَلَا عَنْ الْعِوَضِ فَكَانَ رَجْعِيًّا، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا؛ فَلَغْوٌ (وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَاهُ) أَيْ الْعِوَضَ مُحَرَّمًا (وَيَتَّجِهُ أَوْ) عَلِمَ الْبَاذِلُ مِنْ زَوْجَةٍ وَغَيْرِهَا تَحْرِيمَهُ، وَلَمْ يَعْلَمْهُ (الزَّوْجُ) صَحَّ الْخُلْعُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ مِثَالُ ذَلِكَ (كـَ) مَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى (عَبْدٍ: فَبَانَ حُرًّا أَوْ) بَانَ الْعَبْدُ (مُسْتَحَقًّا) كَذَا عَلَى (عَصِيرٍ) فَبَانَ (خَمْرًا) أَوْ مُسْتَحَقًّا (صَحَّ) الْخُلْعُ (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (بَدَلُهُ) أَيْ: مِثْلُ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةُ الْمُتَقَوِّمِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مُعَاوَضَةٌ بِالْبِضْعِ فَلَا يَفْسُدُ بِفَسَادِ الْعِوَضِ كَالنِّكَاحِ (وَإِنْ بَانَ) نَحْوَ الْعَبْدِ الْمُخَالَعِ عَلَيْهِ (مَعِيبًا فَلَهُ أَرْشُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، وَيَرُدُّهُ) كَالْبَيْعِ، فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُمَا.
تَنْبِيهٌ:
وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ إنْ أَعْطَيْتَنِي خَمْرًا أَوْ مَيْتَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ ذَلِكَ طَلُقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعِوَضِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِغَيْرِ شَيْءٍ (وَإِنْ) (تَخَالَعَ كَافِرَانِ بِمُحَرَّمٍ) كَخَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ (ثُمَّ أَسْلَمَا) قَبْلَ قَبْضِهِ، (أَوْ) أَسْلَمَ (أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ: الْمُحَرَّمِ (فَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ الزَّوْجِ الْمُخَالِعِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهَا بِالْخُلْعِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ، وَقَدْ سَقَطَ بِالْإِسْلَامِ (وَصَحَّ الْخُلْعُ) وَلَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ. (وَيَصِحُّ الْخُلْعُ عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ الْمُعَيَّنِ) مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (مُطْلَقًا) أَيْ بِلَا تَقْدِيرِهِ مُدَّةً (وَيَنْصَرِفُ) الرَّضَاعُ (لِحَوْلَيْنِ) إنْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَ وِلَادَةٍ (أَوْ) إلَى (تَتِمَّتِهِمَا) أَيْ: الْحَوْلَيْنِ إنْ كَانَ قَدْ مَضَى مِنْهُمَا شَيْءٌ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَدُ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ مِنْ كَلَامِهِ عَلَى الْمَعْهُودِ فِي الشَّرْعِ.
قَالَ تَعَالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}، وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا رَضَاعَ بَعْدَ فِصَالٍ» يَعْنِي: الْعَامَيْنِ (وَ) لَوْ خَالَعَتْهُ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً (أَوْ) خَالَعَتْهُ عَلَى (كَفَالَتِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً) (أَوْ) خَالَعَتْهُ (عَلَى نَفَقَتِهِ) أَيْ الْإِنْفَاقِ عَلَى وَلَدِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً (أَوْ) خَالَعَتْهُ عَلَى (سُكْنَى دَارِهَا مُدَّةً مُعَيَّنَةً) صَحَّ الْخُلْعُ (فَلَوْ لَمْ تَنْتَهِ) الْمُدَّةُ (حَتَّى انْهَدَمَتْ) الدَّارُ الْمُخَالَعُ عَلَى سُكْنَاهَا (أَوْ جَفَّ لَبَنُهَا) أَيْ: الْمُخَالَعَةِ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهِ (أَوْ مَاتَتْ) مَنْ خَالَعَتْهُ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهِ أَوْ كَفَالَتِهِ أَوْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ (أَوْ) مَاتَ (الْوَلَدُ رَجَعَ) الزَّوْجُ عَلَيْهَا فِي صُورَةِ الِانْهِدَامِ وَالْجَفَافِ وَمَوْتِ الْوَلَدِ وَعَلَى تَرِكَتِهَا فِي صُورَةِ مَوْتِهَا (بِبَقِيَّةِ حَقِّهِ) عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ مُعَيَّنٌ تَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَوَجَبَ بَدَلُهُ كَمَا لَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى قَفِيزٍ؛ فَتَلِفَ قَبْلَ قَبْضِهِ (وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) أَيْ: مِثْلِ الْإِرْضَاعِ أَوْ الْكَفَالَةِ أَوْ السُّكْنَى أَوْ بَدَلِ النَّفَقَةِ، جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْكَافِي وَيَأْخُذُ بَدَلَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُؤْنَةِ (يَوْمًا فَيَوْمًا) لِأَنَّهُ ثَبَتَ كَذَلِكَ، فَلَا يَسْتَحِقُّهُ مُعَجَّلًا، كَمَنْ أَسْلَمَ فِي نَحْوِ خُبْزٍ يَأْخُذُهُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْطَالًا مَعْلُومَةً، وَلِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَتَعَجَّلُ بِمَوْتِ الْمُسْتَوْفِي، كَمَا لَوْ مَاتَ وَكِيلُ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَمَحِلُّ ذَلِكَ إنْ وَثِقَ الْوَرَثَةُ بِرَهْنٍ يُحْرَزُ أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ، وَإِلَّا فَلَهُ أَخْذُهُ مُعَجَّلًا كَسَائِرِ الدُّيُونِ، وَتَقَدَّمَ. (وَلَا يَلْزَمُهَا) إنْ مَاتَ الْوَلَدُ (كَفَالَةُ بَدَلِهِ أَوْ إرْضَاعُهُ) أَيْ: إرْضَاعُ بَدَلِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَقْدٌ عَلَى فِعْلِ عُيِّنَ، فَيَنْفَسِخُ بِتَلَفِهَا، كَمَا لَوْ مَاتَتْ الدَّابَّةُ، الْمُسْتَأْجَرَةُ، وَلِأَنَّ مَا يَسْتَوْفِيهِ مِنْ اللَّبَنِ إنَّمَا يَتَقَدَّرُ بِحَاجَةِ الصَّبِيِّ، وَحَاجَاتُ الصِّبْيَانِ تَخْتَلِفُ، وَلَا تَنْضَبِطُ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقُومَ غَيْرُهُ مَقَامَهُ، كَمَا لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ فِي حَيَاةِ الْوَلَدِ (وَلَا يُعْتَبَرُ) لِصِحَّةِ الْخُلْعِ عَلَى نَفَقَةِ وَلَدِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً (تَقْدِيرُ نَفَقَةٍ وَوَصْفُهَا) فَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الطَّعَامِ وَجِنْسُهُ، وَلَا قَدْرُ الْأُدْمِ وَجِنْسُهُ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ لِقِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «رَحِمَ اللَّهُ أَخِي أَجَّرَ نَفْسَهُ بِطَعَامِ بَطْنِهِ وَعِفَّةِ فَرْجِهِ» وَلِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ مُسْتَحَقَّةٌ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ، وَهِيَ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ كَذَا هَا هُنَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ مُدَّةَ الرَّضَاعِ مِنْ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَصِفَةَ النَّفَقَةِ، بِأَنْ يَقُولَ: تُرْضِعِينَهُ مِنْ الْعَشْرِ سِنِينَ حَوْلَيْنِ أَوْ أَقَلَّ بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ، وَيَذْكُرَ مَا يَقْتَاتُهُ الْوَلَدُ مِنْ طَعَامٍ، أَوْ إدَامٍ، فَيَقُولُ حِنْطَةٌ أَوْ غَيْرُهَا كَذَا وَكَذَا قَفِيزًا وَيَذْكُرَ جِنْسَ الْأُدْمِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مُدَّةَ الرَّضَاعِ وَلَا قَدْرَ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ، صَحَّ الْخُلْعُ؛ (وَيَرْجِعُ) إذَا تَنَازَعَا فِي الْمُدَّةِ وَالْجِنْسِ وَالْقَدْرِ (لِعُرْفٍ وَعَادَةٍ) كَالزَّوْجَةِ وَالْأَجِيرِ؛ فَمُدَّةُ الرَّضَاعِ إلَى حَوْلَيْنِ، وَالنَّفَقَةُ مَا يَسْتَعْمِلُهُ مِثْلُهُ، (وَلِلْوَالِدِ أَخْذُ نَفَقَتِهِ) أَيْ: الْوَلَدِ (مِنْهَا) أَيْ: الْمَخْلُوعَةِ (وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى وَلَدِهِ (مِنْ عِنْدِهِ غَيْرَهَا) لِأَنَّهُ بَدَلٌ ثَبَتَ لَهُ فِي ذِمَّتِهَا؛ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ. (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (عَلَى نَفَقَةٍ مَاضِيَةٍ) لَهَا بِذِمَّتِهِ كَسَائِرِ دُيُونِهَا عَلَيْهِ، وَيَصِحُّ خُلْعٌ (مِنْ حَامِلٍ عَلَى نَفَقَةِ حَمْلِهَا) لِأَنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ مَوْجُودٍ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهَا كَمَسْأَلَةِ الْمَتَاعِ (وَتَسْقُطَانِ) أَيْ: النَّفَقَةُ الْمَاضِيَةُ وَنَفَقَةُ الْحَمْلِ بِالْخُلْعِ عَلَيْهِمَا كَدَيْنٍ لَهَا خَالَعَتْهُ (وَلَوْ طَلَبَ مُخَالَعَتَهَا فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ حَمْلِهَا) فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (بَرِيءَ) الزَّوْجُ مِنْهَا، وَكَذَا لَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ أَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ حَمْلِهَا، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلِلْوَلَدِ، بِأَنْ جَعَلَتْ ذَلِكَ عِوَضًا فِي الْخُلْعِ؛ صَحَّ الْخُلْعُ (إلَى فِطَامِهِ، فَإِذَا فَطَمَتْهُ؛ فَلَهُ طَلَبُهُ بِنَفَقَتِهِ) لِأَنَّهَا قَدْ أَبْرَأَتْهُ مِمَّا يَجِبُ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ، فَإِذَا فَطَمَتْهُ لَمْ تَكُنْ النَّفَقَةُ لَهَا، فَلَهَا طَلَبُهَا مِنْهُ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (لَوْ) خَالَعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ بَعْدَ أَنْ أَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ، حَمْلِهَا فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، وَأَرْضَعَتْهُ مُدَّةً، ثُمَّ (مَاتَ) الْوَلَدُ (قَبْلَ فِطَامِهِ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا) لِأَنَّهَا هُنَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ شَيْءٍ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَكَفَّلَتْ الْوَلَدَ، وَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ مُدَّةِ الْكَفَالَةِ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَتِهِ لِكَفَالَةِ مِثْلِهَا لِمِثْلِهِ، وَتَقَدَّمَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.(فَرْعٌ): [تعليقُ الطَّلَاقِ]:

(أَفْتَى ابْنُ نَصْرٍ بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقٍ عُلِّقَ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ) الْمُسْتَقْبَلَةِ (وَ) مِنْ (نَفَقَةِ الْعِدَّةِ)، كَأَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِزَوْجَتِهِ: إنْ أَبْرَأْتِنِي مِمَّا سَيَجِبُ لَكِ عَلَيَّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَبْرَأَتْهُ؛ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ (لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهَا) أَيْ: النَّفَقَةِ (إلَّا بَعْدَ وُجُوبِهَا) بِالْعِدَّةِ (وَلَا تَجِبُ الْعِدَّةُ إلَّا بِالطَّلَاقِ) الْمُعَلَّقِ عَلَى الْبَرَاءَةِ، وَحِينَ أَبْرَأَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ تُبْرِئُهُ مِنْهُ، فَكَأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ مِنْ مَعْدُومٍ، وَالْبَرَاءَةُ مِنْ الْمَعْدُومِ لَا تَصِحُّ؛ فَلَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهَا.
فَصْل:
(وَيَصِحُّ الْخُلْعُ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ مَهْرًا لِجَهَالَةٍ) كَمَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَا بِيَدِهَا أَوْ بَيْتِهَا (أَوْ غَرَرٌ) كَمَا لِأَنَّ الْخُلْعَ إسْقَاطٌ لِحَقِّهِ مِنْ الْبِضْعِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ شَيْءٍ، وَالْإِسْقَاطُ تَدْخُلُهُ الْمُسَامَحَةُ، وَلِهَذَا جَازَ بِلَا عِوَضٍ عَلَى رِوَايَةٍ، بِخِلَافِ النِّكَاحِ، وَأُبِيحَ لَهَا افْتِدَاءُ نَفْسِهَا، لِحَاجَتِهَا إلَيْهِ، فَوَجَبَ مَا رَضِيَتْ بِبَذْلِهِ، دُونَ مَا لَمْ تَرْضَهُ، (وَلَهُ مَا جَعَلَتْ مِنْ الْعِوَضِ الْمَجْهُولِ وَالْمَعْدُومِ الْمُنْتَظَرِ) وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ (فـَ) لِزَوْجٍ (مُخَالِعٍ عَلَى مَا بِيَدِهَا أَوْ بَيْتِهَا مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ مَتَاعٍ مَا بِهِمَا) أَيْ: بِيَدِهَا أَوْ بَيْتِهَا مِنْ ذَلِكَ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) بِيَدِهَا (شَيْءٌ) مِنْ الدَّرَاهِمِ (فَلَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ)؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْجَمْعِ؛ فَهِيَ الْمُتَيَقَّنَةُ (أَوْ) لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهَا لِشَيْءٍ مِنْ الْمَتَاعِ؛ فَلَهُ (مَا يُسَمَّى مَتَاعًا) كَالْوَصِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِهَا دُونَ الثَّلَاثِ؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ.
(وَ) إنْ خَالَعَهَا (عَلَى مَا تَحْمِلُ شَجَرَتُهَا وَ) مَا تَحْمِلُ (أَمَتُهَا) وَنَحْوُهَا (أَوْ مَا فِي بَطْنِهَا) أَيْ: الْأَمَةِ وَنَحْوِهَا؛ صَحَّ كَالْوَصِيَّةِ بِذَلِكَ، وَلَهُ (مَا يَحْصُلُ) مِنْ ذَلِكَ، لَكِنَّ قِيَاسَ مَا سَبَقَ فِي الْوَصِيَّةِ لَهُ قِيمَةُ وَلَدِ الْأَمَةِ لِتَحْرِيمِ الْفُرْقَةِ (فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ شَيْءٌ مِنْهُ، وَجَبَ فِيهِ) مُطْلَقُ مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ كَالْوَصِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي ضُرُوعِ مَاشِيَتِهَا وَنَحْوِهِ مِنْ كُلِّ مَجْهُولٍ أَوْ مَعْدُومٍ مُنْتَظَرٍ وُجُودُهُ، (وَ) يَجِبُ (فِيمَا) إذَا خَالَعَهَا عَلَى شَيْءٍ، (يُجْهَلُ مُطْلَقًا كَثَوْبٍ وَنَحْوِهِ) كَعَبْدٍ وَبَعِيرٍ وَشَاةٍ (مُطْلَقُ مَا تَنَاوَلَهُ الِاسْمُ) لِأَنَّهَا خَالَعَتْهُ عَلَى مُسَمًّى مَجْهُولٍ، فَكَانَ لَهُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مِنْ ثَمَرَةٍ وَوَلَدٍ وَثَوْبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ. لِصِدْقِ الِاسْمِ بِذَلِكَ (وَ) لَوْ خَالَعَهَا (عَلَى هَذَا الثَّوْبِ الْهَرَوِيُّ، فَبَانَ مَرْوِيًّا أَوْ): بَانَ مَعِيبًا، أَوْ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ السِّنْدِيِّ فَبَانَ زِنْجِيًّا أَوْ مَعِيبًا (لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ) لِوُقُوعِ الْخُلْعِ عَلَى عَيْنِهِ.
قَالَ فِي الْمُطْلِعِ: الْهَرَوِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى هَرَاةٍ كُورَةٍ مِنْ كَوْرِ الْعَجَمِ تَكَلَّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ، وَمَرْوِيٌّ- بِسُكُونِ الرَّاءِ- مَنْسُوبٌ إلَى مَرْوَ، وَهُوَ بَلَدٌ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهِ مَرُّوذِيٌّ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَثَوْبٌ مَرْوِيٌّ عَلَى الْقِيَاسِ انْتَهَى.
(وَ) وَإِنْ خَالَعَهَا (عَلَى عَبِيدٍ فَلَهُ ثَلَاثٌ) لِأَنَّهَا أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَبِيدِ. (وَيَصِحُّ) الْخُلْعُ (عَلَى) ثَوْبٍ (هَرَوِيٌّ فِي الذِّمَّةِ) عَلَيْهَا أَنْ تُعْطِيَهُ سَلِيمًا؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ (وَيُخَيَّرُ إنْ أَتَتْهُ) بِثَوْبٍ (مَرْوِيٍّ بَيْنَ رَدِّهِ وَإِمْسَاكِهِ) وَكَذَا يُخَيَّرُ إنْ أَتَتْهُ بِهَرَوِيٍّ مَعِيبٍ أَوْ نَاقِصٍ صِفَةً شَرَطَتْهَا، لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ بِذِمَّتِهَا سَلِيمٌ تَامُّ الصِّفَاتِ (وَقَبْضُ عِوَضِ خُلْعٍ وَ) عِوَضِ (طَلَاقٍ وَضَمَانُهُ) أَيْ: الْمَقْبُوضِ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ (وَعَدَمُهُ كَمَبِيعٍ) فَإِنْ كَانَ الْعِوَضُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا أَوْ مَذْرُوعًا؛ فَلَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الزَّوْجِ إلَّا بِقَبْضِهِ، وَلَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ إلَّا بِقَبْضِهِ، وَإِنْ تَلِفَ الْمَكِيلُ وَنَحْوُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ فَلِلزَّوْجِ عِوَضُهُ، وَلَمْ يَنْفَسِخْ الْخُلْعُ بِتَلَفِهِ، وَإِنْ كَانَ عِوَضُ الْخُلْعِ غَيْرَ مَكِيلٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَحْتَاجُ لِحَقِّ تَوَفَّيْهِ؛ دَخَلَ فِي ضَمَانِ الزَّوْجِ بِمُجَرَّدِ الْخُلْعِ، وَصَحَّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ.
قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: إنْ لَمْ يَكُنْ مَعْقُودًا عَلَيْهِ بِالصِّفَةِ أَوْ رُؤْيَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ كَالْبَيْعِ. (وَلَوْ) (تَوَاطَأَ) الزَّوْجَانِ (عَلَى أَنْ تَهَبَهُ) الزَّوْجَةُ (الصَّدَاقَ أَوْ تُبْرِئَهُ) مِنْهُ إنْ كَانَ دَيْنًا أَوْ مِنْ نَحْوِ نَفَقَةٍ أَوْ قَرْضٍ (عَلَى أَنْ يَخْلَعَهَا أَوْ يُطَلِّقَهَا، فَأَبْرَأَتْهُ) مِنْهُ، أَوْ وَهَبَتْهُ الصَّدَاقَ إنْ كَانَ- عَيْنًا (ثُمَّ طَلَّقَهَا، كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا) لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ الْبَرَاءَةِ، فَيَكُونُ طَلَاقًا عَلَى عِوَضٍ (وَكَذَا) لَوْ قَالَ لَهَا الزَّوْجُ (أَبْرِئِينِي وَأَنَا أُطَلِّقُكِ) أَوْ إنْ أَبْرَأْتِنِي طَلَّقْتُكِ (وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ الَّتِي يُفْهَمُ مِنْهَا أَنَّهُ سَأَلَ الْإِبْرَاءَ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا) وَأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا (قَالَهُ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَقَالَ أَيْضًا: لَوْ أَبْرَأَتْهُ بَرَاءَةً لَا تَتَعَلَّقُ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ طَلَاقٌ رَجْعِيٌّ) انْتَهَى؛ لِخُلُوِّهِ عَنْ الْعِوَضِ لَفْظًا وَمَعْنًى.

.فَصْلٌ: [الطَّلَاقُ الْمُعَلَّقُ عَلَى عِوَضٍ]:

(وَطَلَاقٌ) مُنَجَّزٌ بَعُوضٍ أَوْ مُعَلَّقٌ (عَلَى عِوَضٍ) يُدْفَعُ لَهُ (كَخُلْعٍ فِي إبَانَةٍ) لِبَذْلِ الْعِوَضِ فِي إبَانَتِهَا؛ أَشْبَهَ الْخُلْعَ (فَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إنْ أَعْطَيْتِنِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ طَلُقَتْ مِنْهُ بَائِنًا بِأَيِّ عَبْدٍ) يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ، لَا نَحْوِ مَنْذُورٍ عِتْقُهُ نَذْرَ تَبَرُّرٍ كَالْمَرْهُونِ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ (أَعْطَتْهُ) لَهُ، لِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَلَوْ مُدَبَّرًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِصِفَةٍ قَبْلَ وُجُودِهَا)؛ لِجَوَازِ نَقْلِ الْمِلْكِ فِيهِ (وَمَلَكَهُ) أَيْ مَلَكَ الزَّوْجُ الْعَبْدَ بِإِعْطَائِهَا إيَّاهُ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ خُرُوجِ الْبُضْعِ مِنْ مِلْكِهِ، وَالْبَعِيرُ وَالْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ وَالثَّوْبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْمُبْهَمَاتِ كَالْعَبْدِ.
(وَ) إنْ قَالَ لَهَا (إنْ أَعْطَيْتَنِي هَذَا الْعَبْدَ الْحَبَشِيَّ) فَأَنْتِ طَالِقٌ (وَ) إنْ قَالَ لَهَا: إنْ أَعْطَيْتَنِي (هَذَا الثَّوْبَ الْهَرَوِيُّ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ إيَّاهُ) أَيْ: الْعَبْدَ فِي الْأُولَى، وَالثَّوْبَ فِي الثَّانِيَةِ (طَلُقَتْ) بَائِنًا؛ لِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَلَا شَيْءَ لَهُ إنْ بَانَ) الْعَبْدُ أَوْ الثَّوْبُ (مَعِيبًا أَوْ) بَانَ الْعَبْدُ (زِنْجِيًّا، أَوْ) بَانَ الثَّوْبُ (مَرْوِيًّا) لِأَنَّهُ لَمْ تَلْزَمْ غَيْرَهُ وَتَغْلِيبًا لِلْإِشَارَةِ (وَإِنْ بَانَ الْعَبْدُ مُسْتَحَقَّ الدَّمِ، فَقُتِلَ فَلَهُ أَرْشُ عَيْبِهِ) وَهُوَ هُنَا التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ، كَمَا لَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ عِنْدَ سَلَامَتِهِ يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَعِنْدَ جِنَايَتِهِ يُسَاوِي عَشَرَةً، فَيَكُونُ الْأَرْشُ خَمْسَةً، وَلَا يَرْتَفِعُ الطَّلَاقُ (وَإِنْ خَرَجَ الْعَبْدُ أَوْ بَعْضُهُ) مَغْصُوبًا، أَوْ خَرَجَ الثَّوْبُ أَوْ بَعْضُهُ (مَغْصُوبًا) لَمْ تَطْلُقْ (أَوْ) قَالَ: إنْ أَعْطَيْتَنِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ عَبْدًا، فَبَانَ (مَرْهُونًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ حُرًّا؛ لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّ الْعَطِيَّةَ إنَّمَا تَتَنَاوَلُ مَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مِنْهَا، وَالْمَغْصُوبُ وَالْمَرْهُونُ وَالْحُرُّ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ، فَلَا يَصِحُّ إعْطَاؤُهَا إيَّاهُ؛ فَلَا يَقَعُ مَا عُلِّقَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ: أَوْ مُكَاتَبًا نَقَلَهُ فِي الْإِنْصَافِ عَنْ الرِّعَايَتَيْنِ والْحَاوِي وَغَيْرِهِمْ، وَلَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَصِحُّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: بِأَيِّ عَبْدٍ أَعْطَتْهُ لَهُ؛ أَيْ: إذَا كَانَ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ عَبْدٌ، وَقَدْ وُجِدَ، هَذَا مُقْتَضَى مَا قَدَّمَهُ فِي الْإِنْصَافِ فَتَنَبَّهْ لَهُ. (وَإِنْ عَلَّقَهُ) أَيْ: الطَّلَاقَ (عَلَى خَمْرٍ وَنَحْوِهِ) كَقَوْلِهِ: إنْ أَعْطَيْتِنِي خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ مَيْتَةً؛ فَأَنْتِ طَالِقٌ (فَأَعْطَتْهُ) إيَّاهُ؛ (فـَ) الطَّلَاقُ الْوَاقِعُ (رَجْعِيٌّ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِوَضٍ شَرْعِيٍّ، وَإِنَّمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِصُورَةِ الْإِعْطَاءِ لِاسْتِحَالَةِ حَقِيقَتِهِ، (وَإِنْ) قَالَ لَهَا: إنْ (أَعْطَيْتَنِي ثَوْبًا هَرَوِيًّا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ) ثَوْبًا (مَرْوِيًّا أَوْ) أَعْطَتْهُ ثَوْبًا (هَرَوِيًّا مَغْصُوبًا؛ لَمْ تَطْلُقْ) لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا (وَإِنْ أَعْطَتْهُ) ثَوْبًا (هَرَوِيًّا مَعِيبًا طَلُقَتْ) لِوُجُودِ الصِّفَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا؛ لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لِلسَّلِيمِ وَالْمَعِيبِ الْأَعْلَى وَالْأَدْنَى (وَلَهُ) أَيْ: الزَّوْجِ (مُطَالَبَتُهَا) بِثَوْبٍ هَرَوِيٌّ (سَلِيمٍ)؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِي السَّلَامَةَ (وَإِنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ): إنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ لَهَا (إذَا أَعْطَيْتِنِي أَوْ أَقْبَضْتِنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ) فَأَنْتِ طَالِقٌ. (أَوْ) قَالَ لَهَا: (مَتَى أَعْطَيْتَنِي أَوْ أَقْبَضْتِنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَزِمَ)؛ التَّعْلِيقُ (مِنْ جِهَتِهِ) فَلَيْسَ لَهُ إبْطَالُهُ؛ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حُكْمُ التَّعْلِيقِ لِصِحَّةِ تَعْلِيقِهِ عَلَى الشَّرْطِ (فَأَيَّ وَقْتٍ) فَوْرًا كَانَ أَوْ مُتَرَاخِيًا، كَمَا لَوْ خَلَا التَّعْلِيقُ عَنْ الْعِوَضِ (أَعْطَتْهُ) الزَّوْجَةُ (عَلَى صِفَةٍ يُمْكِنُهُ) أَيْ: الزَّوْجَ (الْقَبْضُ) فِيهَا؛ بِأَنْ لَمْ تَكُنْ ثَمَّ يَدٌ حَائِلَةٌ ظَالِمَةٌ (دَرَاهِمَ تُوَازِنُ أَلْفًا) فَأَكْثَرَ إنْ كَانَ شَرَطَهَا وَزْنِيَّةً، وَإِلَّا فَمَا شُرِطَ فِي الْخُلْعِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي شَرْطِهَا وَزْنِيَّةً؛ فَقَوْلُهَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ، وَيَكُونُ الْإِعْطَاءُ بِإِحْضَارِ الْأَلْفِ لِلزَّوْجِ وَإِذْنِهَا لَهُ فِي قَبْضِهِ (وَلَوْ مَعَ نَقْصِ الْعَدَدِ) اكْتِفَاءً بِتَمَامِ الْوَزْنِ (بَانَتْ) مِنْهُ لِوُجُودِ الصِّفَةِ (وَمَلَكَهُ) أَيْ الْأَلْفَ الزَّوْجُ (وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْهُ) لِأَنَّهُ إعْطَاءٌ شَرْعِيٌّ يَحْنَثُ بِهِ مَنْ حَلَفَ لَا يُعْطِي فُلَانًا شَيْئًا إذَا فَعَلَهُ مَعَهُ وَ(لَا) تَطْلُقُ (إنْ أَعْطَتْهُ) (رَهْنًا بِالْأَلْفِ، أَوْ أَحَالَتْهُ بِهِ، أَوْ قَاصَّتْهُ بِهِ وَنَحْوُهُ) كَمَا لَوْ أَعْطَتْهُ دُونَ الْأَلْفِ، أَوْ أَعْطَتْهُ سَبِيكَةً تَبْلُغُ أَلْفًا، أَوْ أَعْطَتْهُ مَغْشُوشَةً يَنْقُصُ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ عَنْ الْأَلْفِ، أَوْ هَرَبَ قَبْلَ عَطِيَّتِهَا، أَوْ قَالَتْ: يَضْمَنُهُ لَكَ زَيْدٌ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ الصِّفَةِ.
(وَ) مَنْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: (طَلِّقْنِي) بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ أَوْ لَك أَلْفٌ، أَوْ قَالَتْ لَهُ: اخْلَعْنِي بِأَلْفٍ أَوْ عَلَى أَلْفٍ، أَوْ وَلَك أَلْفٌ (أَوْ) قَالَتْ لَهُ (إنْ طَلَّقْتنِي) فَلَكَ أَلْفٌ أَوْ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ أَلْفٍ، (أَوْ) قَالَتْ لَهُ (إنْ خَلَعْتنِي فَلَكَ أَلْفٌ أَوْ فَأَنْتَ بَرِيءٌ مِنْهُ) أَيْ: الْأَلْفِ (فَقَالَ) لَهَا (طَلَّقْتُكِ) جَوَابًا لِقَوْلِهَا طَلِّقْنِي، أَوْ إنْ طَلَّقْتنِي (أَوْ) قَالَ لَهَا (خَلَعْتُكِ) جَوَابًا لِقَوْلِهَا: اخْلَعْنِي أَوْ إنْ خَلَعْتنِي (وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْأَلْفَ) مَعَ قَوْلِهِ طَلَّقْتُكِ أَوْ خَلَعْتُكِ (بَانَتْ) مِنْهُ (وَاسْتَحَقَّهُ) أَيْ: الْأَلْفَ لِأَنَّ قَوْلَهُ طَلَّقْتُكِ أَوْ خَلَعْتُكِ جَوَابٌ لِمَا اسْتَدْعَتْهُ مِنْهُ، وَالسُّؤَالُ كَالْمَعَادِنِ فِي الْجَوَابِ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: بِعْنِي عَبْدَكَ بِأَلْفٍ، فَقَالَ بِعْتُكَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَلْفَ (مِنْ غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ) لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ، فَيَنْصَرِفُ الْإِطْلَاقُ إلَيْهِ (إنْ أَجَابَهَا عَلَى الْفَوْرِ) وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ جَوَابًا لِسُؤَالِهَا (وَلَهَا) أَيْ: الزَّوْجَةِ (الرُّجُوعُ) عَمَّا قَالَتْهُ لِزَوْجِهَا (قَبْلَ إجَابَتِهِ) لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ؛ فَلَهَا الرُّجُوعُ قَبْلَ تَمَامِهِ بِالْجَوَابِ، كَالْبَيْعِ وَكَذَا قَوْلُهَا إنْ طَلَّقْتَنِي فَلَكَ أَلْفٌ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا فَهُوَ تَعْلِيقٌ لِوُجُوبِ الْعِوَضِ، لَا لِلطَّلَاقِ.
(وَ) إنْ قَالَتْ (اجْعَلْ أَمْرِي بِيَدِي وَلَك عَبْدِي هَذَا فَفَعَلَ) أَيْ: جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا (مَلَكَ الْعَبْدَ) بِقَبْضِهِ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ وَفَّاهَا مَا جُعِلَ لَهَا فِي نَظِيرِهِ (وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ) أَيْ: الْعَبْدِ، (وَلَوْ قَبْلَ اخْتِيَارِهَا) نَفْسِهَا كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ (وَتَخْتَارُ مَتَى شَاءَتْ) لِجَعْلِهِ ذَلِكَ لَهَا (مَا لَمْ يَطَأْ أَوْ يَرْجِعْ) فَلَا اخْتِيَارَ لَهَا لِانْعِزَالِهَا بِذَلِكَ (فَإِنْ فَعَلَ) بِأَنْ رَجَعَ عَنْ جَعْلِ أَمْرِهَا بِيَدِهَا (رَجَعَتْ) عَلَيْهِ (بِالْعِوَضِ) الَّذِي بَذَلَتْهُ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ عَبْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهَا مَا يُقَابِلُهُ.
(وَ) لَوْ قَالَ لَهَا (إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَأَمْرُكِ بِيَدِكِ، مَلَكَ إبْطَالَ هَذِهِ الصِّفَةِ) لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ، وَهِيَ جَائِزَةٌ، وَلَيْسَتْ مِنْ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ فِي شَيْءٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الطَّلَاقَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْكِنَايَاتِ (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: وَلَوْ جَعَلَتْ لَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُخَيِّرَهَا) فَخَيَّرَهَا (فَاخْتَارَتْ الزَّوْجَ؛ لَا يَرُدُّ الزَّوْجُ شَيْئًا) مِنْ الْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا جَاعَلَتْهُ عَلَيْهِ؛ فَاسْتَقَرَّتْ لَهُ.
(وَ) إنْ قَالَتْ (طَلِّقْنِي بِدِينَارٍ، فَطَلَّقَهَا، ثُمَّ ارْتَدَّتْ) عَنْ الْإِسْلَامِ (وَقَعَ) الطَّلَاقُ بَائِنًا؛ لِأَنَّهُ عَلَى عِوَضٍ، وَلَا تُؤَثِّرُ الرِّدَّةُ فِيهِ؛ لِتَأَخُّرِهَا عَنْهُ (وَلَزِمَهَا) أَيْ الدِّينَارُ بِالطَّلَاقِ (وَإِنْ ارْتَدَّتْ، ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ دُخُولٍ بِهَا)؛ بَانَتْ بِالرِّدَّةِ، وَ(لَمْ يَقَعْ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُهَا طَلَاقٌ، وَإِنْ كَانَ طَلَّقَهَا بَعْدَ رِدَّتِهَا (وَبَعْدَهُ) أَيْ: الدُّخُولِ بِهَا فَإِنَّهُ (يُوقَفُ الْأَمْرُ) عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ (فَإِنْ أَسْلَمَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَقَعَ) الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا كَانَتْ زَوْجَتَهُ حِينَهُ، (وَإِلَّا) تُسْلِمْ بِأَنْ أَقَامَتْ عَلَى رِدَّتِهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا (فَلَا) يَقَعُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً حِينَ طَلَّقَهَا.